وحوش التجسس الإلكتروني
كانت إجابة هذا السؤال بديهية في السابق، حيث كان مستخدم الشبكة يقضي معظم وقته في استدعاء الصفحات والبحث عن المعلومات التي يطلبها، ولكن تطور أساليب الخداع الإلكتروني عن طريق برامج أعدت خصيصا لهذا الغرض جعلت الأمر معكوسا في معظم الأحيان، حيث يدفع مستخدم الشبكة مقابل خدمة الآخرين والترويج لسلعهم والتجسس على تحركاته في الفضاء الإلكتروني!
لم تكن الصورة بهذه القتامة في السابق، ولكني ألحظ الآن تسارعا وتصاعدا رهيبا في عملية تطوير وانتشار ما يمكن أن نسميه بـ"بريمجات الأذى الإلكتروني".
وتتخصص هذه البريمجات التي تتسم بالذكاء وأحيانا بالعبقرية، في تعطيل حركة المستخدم على الإنترنت بل وشلها تماما في أوقات كثيرة، ولكن هذه السمة لم تعد هي الأخطر ، حيث تتطور أساليبها الخداعية يوما بعد يوم، فهي الآن تقف حائلا بين المستخدم وبين متصفحه وتوجهه نحو ما يريد صانعوها فقط، بالضبط كما يفعل القراصنة في أعالي البحار.
المثير للدهشة أن معظم قراصنة الإبحار الإلكتروني، لم تعد ترتدي الأزياء التقليدية للقراصنة المعروفين في هذا العالم، حيث لا تظهر آثار بريمجاتهم كصفحات تظهر فجأة بصورة مباغتة تعلن عن سلعة ما أو تدعو إلى الاستمتاع بمحتويات موقع معين، ولكنها أصبحت ترتدي الآن ثيابا أكثر براءة وجاذبية، حيث يلجأ صانعوها إلى تصميم صفحات تشبه إلى حد كبير الصفحات الأصلية التي يطلبها المتصفح عادة، حيث يمكن مثلا تصميم صفحة تشبه صفحة البريد الإلكتروني الخاصة بالمستخدم الذي لن يشعر بتركيب عشرات المكونات الدعائية في جهازه بمجرد فتح رسالة واحدة من الرسائل التي يتوهم أنها من أصدقائه وأحبائه!
كما تسعى تلك البريمجات إلى إظهار نتائج مسجلة عندها -مزيفة ومدفوعة الأجر- لعمليات البحث المعتادة عن الموضوعات الشهيرة، حيث توجهه إلى مواقع من اختيارها في الوقت الذي يتوهم فيه المتصفح أن النتائج مبنية على عملية بحث إلكترونية عمياء وطبيعية، ولا يمكن تخيل حجم الضلال الذي يمكن أن يترتب على هذه الأساليب الملتوية، حيث أن هذا يعني ببساطة تفريغ الإنترنت من مضمونها واحتكار مواقع بعينها للغالبية العظمى من مرتادي الشبكة غير المتمرسين الذين قد تنطلي عليهم تلك الأساليب الخداعية.
ويكفي للتدليل على حجم المأساة التي تعاني منها الشبكة في هذا المضمار أن أحدث التقارير تشير إلى أن عدد تلك البريمجات تزايد بشكل هائل في الآونة الأخيرة، حيث قفز من 3 آلاف إلى 15 ألف خلال الشهور الأخيرة.
وغني عن البيان بالطبع أن هناك آثارا مدمرة أخرى لهذه البريمجات ففضلا عن التسبب في بطء سرعة الحاسب وتعطل العمل فإن هناك أمورا أشد خطورة تتمثل في سرقة المعلومات الشخصية وأرقام بطاقات الائتمان وكلمات السر الخاصة بالمواقع والبريد الإلكتروني.
وما يزيد المشكلة تعقيدا أن البعض يظن أن برامج مكافحة الفيروسات كفيلة بالتصدي لمثل هذه الأساليب، ولكن هذا غير صحيح لأن أنظمة التجسس الإلكتروني لا تتصرف مثل الفيروسات ولا ترتدي نفس أزيائها
التعليق