المقامة الصيفيَّة
أ. جبران بن سلمان سحّاري
مؤسس مدرسة الميزان للنقد الأدبي في الرياض
عضو نادي جازان الأدبي .
أ. جبران بن سلمان سحّاري
مؤسس مدرسة الميزان للنقد الأدبي في الرياض
عضو نادي جازان الأدبي .
حدثنا عمرو بنُ هشام الحميري قال: طرحتني النوى مطارحَها إلى دولةٍ شهيرة، من دول الجزيرة،
* إلى حيثُ تستنُّ الذئابُ الضوارمُ * .
فبينا أنا أجولُ في حدائقِها الغناء، ومرابعِها الخضراء، همتُ عشقاً بالحدائق، واتجهتُ إلى (الفنادق)، ويا ليت قومي أدركوا ما أعاني، وما حدث لي من قصصٍ في زماني، قلتُ: هاتِ فقد أشجيت، ووصفتَ العجبَ فما قضيت! ، فقال: لما دخلتُ (المصعد)، صوّب الحارسُ النظرَ إليّ وصعّد، وقال: السكنُ في (الطابق) الأخير، فتواصل مع الموظفِ والمدير، فقلتُ: أفعلُ وكرامة، فقال: وإن لم تفعل فلا ملامة، فلما دخلتُ (الغرفة)، أضحيتُ للسائحين طرفة وأي طرفة، إذ واكبتُ (السهرة)، والناس (فسْرة)، و(المراقصُ) من حولي مشرعة، والأنفاقُ مترعة، فأقبلتْ عليّ مغرية، وحالتي مزرية، فقدّمتْ نفسَها دونَ تأخير، ونوّلتني كأسَ (العصير)، فغابَ وعيي، وتلعثم رأيي، فأحرزتْ مني جميعَ الأموال، وأخذتِ (الجوال)، و(جوازَ) الارتحال، والثيابَ و(البطاقة)، وأنا في حالةٍ معاقة، واستأثرتْ بين المسلمين بالحماقة، ورمتني من (الطابق) السابع، فوقعتُ على الأصابع، مجرداً من اللباس، بين الناس، وأغلقتِ (الغرفةَ) وأخذتِ (المفتاحَ) و(جوازَ) الارتحال، وسلمتها للحارسِ في (الاستقبال)، وقالت: إن أتى زوجي فأعطه المفتاح، وانطلقتْ (سجاح)، فأبصرني رجلٌ في الساحة، وقال: ما أصابك يا طالبَ الراحة؟ ورمى عليّ رداءً؛ ليكون لي غطاءً، فصعدتُ خجِلاً، لا أريدُ أن أرى رجلاً، وجروحي تثعبُ دما، والهمُّ عليّ قد همى، فرآني حارسُ السكن، فانثنيتُ عنه كالفَنَن، فلحقني قائلاً: ماذا أصابك عاجلاً؟ الجرحُ في جسمِك قد اتضح، وأنت أتيت طالباً للمرح، فخيّم عليّ الحياء، وقلتُ: أوصلني إلى الغرفةِ إن لم يكن عليك عناء، فلم أجد فيها أثاثاً، حتى الفراش جزّأتْه أثلاثاً، ولم تسكنْ في جسدي لحمة؛ إذ لم يسكن في قلبها معشارُ رحمة، فأعطاني كساءً يسيراً، وخرجتُ من عندهم كسيراً، وركبتُ إلى (المسجدِ) بأجرة، وبعد الصلاةِ نصبتُ (اللثامَ) في الحجرة، فمن فعل معروفاً رمى بخمسة، وبعضُهم بدرهمين في خِلسة، وبعضُهم ينظرُ إليّ بخسة، أذلني سفري ومُنيتُ بالقهر، وصاحتْ بي صائحاتُ الدهر، أتمنى نسيمَ بلادي، الذي يروي الصادي والغادي، فلما دخلها تناسى عناده، وقال: (يستحق الموتَ من غادرَ بلاده)، وبكى وصوته كان شاهداً، وخرّ لله ساجداً، حامداً اللهَ على السلامة، أن بلّغه أرضَ الكرامة، وحلفَ باللهِ لا يدعسُ ديرة، قبل بيتِ اللهِ في أرضِ الجزيرة، ثم دار المصطفى صافي السريرة، عليه الصلاة والسلام زكيَّ السيرة، قلتُ: واللهِ يا ابنَ هشام، تستحق ما أصابك في أرضِ الشام، كيف تركتَ أرضَ الحرمين؟ وسافرتَ إلى مقر العهرِ والمين؟! أنسيتَ (مكة) و(الطائف)؟ و(أبها) مستودعَ اللطائف؟! ومهبطَ حواءَ (جُدة)، ومجمعَ الأبحر الممتدة، و(جازانَ) ذات الأمطار، وأرحبَ الديار، وعاصمة الجنوب، وفيها كلُّ محبوب، فقال: دعك من التكايلِ من هذا الجراب، فليس عندي جواب، ثم افترقنا.
التعليق