جدل يتجدد كل عام هلال رمضان.. الرؤية بالعين أم الحساب الفلكي؟
سلمان العودة
مازال الجدل قائماً حول اعتماد دخول شهر رمضان المبارك بالاعتماد على الحسابات الفلكية أو عبر رؤية الهلال بالعين وشهادة الشهود، وطالب اثنان من المختصين في الشأن الفلكي بالأخذ بالرأي العلمي، فيما يرى المشرف على مؤسسة الإسلام اليوم الشيخ سلمان العودة أن "الرؤية أولى مع أن العلم قد تطور وقد يجهل كثير من طلبة العلم الشرعي تطور بعض العلوم ومنها علم الفلك إلا أن الخلاف بين العلماء على مدى التاريخ كان في مسائل عدة منها مسألة رؤية هلال رمضان". ويرى حسب أقوال العلماء التي سردها أن "المسلمين يعتمدون الحسابات في عبادة أعظم من الصوم وهي الصلاة".
ويشير العودة إلى أن "التخوف يكون من الشهود غير العدول الذين يقولون بالرؤية وقد يكونون رأوا جرماً وظنوه هلالاً".
ويرى رئيس قسم الفيزياء بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور علي الشكري أن يوم الاثنين المقبل هو أول أيام شهر رمضان مستندا في ذلك إلى الحسابات الفلكية والرؤية الأفقية للهلال وبالاعتماد على قواعد الولادة ويقول "إن هذه الحسابات دقيقة وليست ضرباً من الخيال، وجميع الحسابات والأوقات حسب أفق مكة المكرمة ( خط العرض: 21.45 درجة شمال خط الاستواء، خط الطول: 39.82 درجة شرق خط غرينتش) والتوقيت المحلي للمملكة العربية السعودية (توقيت جرينتش + 3ساعات) سيحدث بإذن الله الاقتران المركزي (مرحلة ما قبل ولادة الهلال) الساعة 10:59 من مساء يوم السبت 29 من شهر شعبان 1429 هـ حسب تقويم أم القرى الموافق لـ 30 من أغسطس (آب) 2008 م. ويجب التنويه هنا إلى أن ولادة هلال الشهر (أول انعكاس لبصيص من النور من على سطح القمر) فسيكون بعد الاقتران بفترة قد لا تتجاوز نصف اليوم أو ربما تمتد إلى يوم كامل أو أكثر اعتماداً على وضع القمر بالنسبة للشمس ومدة مكثه وإضاءته وطبعاً الأحوال الجوية بعد غروب الشمس وحالة المتحري النفسية والجسمية والصحية ومدى خبرته وقدرة بصره وسرعته على التأقلم مع الإضاءة الخافتة ومع قدرته على تمييز الهلال عند صغر درجة التباين بين لونه ولون الأفق"
الشكري قام بشرح ولادة القمر بالدقة العلمية والحسابات بحسب جدول زود "الوطن" به قائلا - بعد أن قام بتحديد ولادة القمر بدقة- "كما نلاحظ من الجدول المرفق فإن ولادة القمر (الاقتران) وليس ظهور الهلال ستكون يوم السبت حوالي الساعة الحادية عشرة مساءاَ وسيغرب القمر ذلك اليوم قبل غروب الشمس بحوالي سبع عشرة دقيقة، لذا وحسب الحسابات الفلكية والرؤية البصرية من الاستحالة رؤية الهلال بعد مغيب الشمس لعدم وجوده فوق الأفق، عليه فلن يكون اليوم التالي (الأحد) فلكياً غرة شهر رمضان بل تكملة شعبان. أما هلال مساء يوم الأحد فبالإمكان رؤيته ولكن بصعوبة جداً وباستخدام المناظير الفلكية فقط من غرب وجنوب غرب المملكة. وحسب خط طول وعرض مكة المكرمة، سيكون مرتفعاً بحوالي أربع درجات فوق الأفق والمسافة (الاستطالة) الزاويّة بين القمر والشمس حوالي عشر درجات وحوالي تسع درجات على يسار (جنوب) الشمس (اتجاه الغرب) وعمره تقريباَ عشرون ساعة ( 19:40) وإضاءته حوالي 0.86 % من قرص القمر الكامل )البدر( لحظة غروب الشمس ومدة مكثه حوالي عشرين دقيقة فوق الأفق ويكون الهلال مائلاً قليلاً لليسار كما هو مبين في الشكل. لذا فمن الناحية العملية والحسابات الفلكية والتوقعات النظرية والرؤية البصرية فإن رؤية الهلال مساء ذلك اليوم (الأحد) من المحتمل أن تكون ممكنة ولكن بصعوبة بالغة وباستخدام الأجهزة البصرية المساعدة، لذا من المتوقع بإذن الله أن يكون يوم الاثنين الموافق 1 سبتمبر (أيلول) 2008 م غرة شهر رمضان المبارك 1429 هـ ".
ودعا الشكري لمن يريد التأكد من وجود الهلال فيمكنه لحظة غروب الشمس يوم الأحد ويكون على يسارها تسع درجات وأضاف"ولمن يرغب في تحري الهلال، سيكون الهلال لحظة غروب الشمس يوم الأحد على يسارها بحوالي تسع درجات وارتفاعه حوالي أربع درجات ومائلاً قليلاً لليسار كما هو مبين في الشكل، وأن يكون التحري في منطقة ذات جو صاف أي خال من الغيوم والغبار والرطوبة".
وأشار الشكري إلى أن هذه التوقعات مبنية على الحسابات وتؤخذ لغرض الاستدلال على دخول الأشهر القمرية ولكن إعلان دخول الشهر وتأكيده يكون بالرؤية الشرعية.
الشيخ سلمان العودة يرى أن حسم موضوع رؤية الهلال بالعين المجردة أو الاعتماد على الحسابات الفلكية من الأمور المعقدة والتي فيها أقوال متعددة لمجموعة من العلماء وأضاف "والخلاف في هذه المسألة:
أولاً: الجمهور والمشهور عند الأئمة الأربعة يرون أنه لا يؤخذ إلا بالرؤية أو بالإكمال إكمال الشهر ثلاثين أو تسعة وعشرين على حسب الخلاف بين الحنابلة وبين الجمهور.
استدلوا أولا: بالأحاديث: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ. فقالوا: إن النبي ( علّق الحكم بالرؤية" واستدلوا بالآية الكريمة وهي قوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ) [البقرة:185]، وكأن (شَهِدَ) هنا معناها شاهد أو رأى من الشهود من المشاهدة وإن كان هذا الاستدلال فيه ما فيه لأن المتبادر من لفظ (فَمَنْ شَهِدَ) يعني: حضر أو أدرك الشهر، حتى لو لم يشهده بنفسه وإنما شهده غيره أو شاهده غيره ؛ لأن مقابل (فَمَنْ شَهِدَ) (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ) ومما يُستدل به أيضًا لمذهب الجمهور في اعتبار الرؤية وعدم اعتبار الحساب أو علم التسيير: حديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا" يعني مرة تسعة وعشرون ومرة ثلاثون.
أما جواز الأخذ بالحسابات الفلكية فيقول العودة إنه الرأي الثاني أو القول الثاني من أقوال العلماء ويرون بجوازه وذلك لعدة أسباب هي " القول منسوب إلى مطرّف بن عبد الله من كبار أئمة التابعين، وهو أيضًا قول ابن قتيبة، وهو قول أبي العباس بن سريج- وهو من كبار أئمة الشافعية حتى إنهم يقدمونه على المزني في سعة معرفته بالمذهب- وله في ذلك تصنيف وكلام نسب فيه هذا القول إلى الإمام الشافعي ونقل في ذلك نصًا وإن كان المخالفون له وهّموه في ذلك بنصوص أخرى للشافعي. وقال الرأي مجموعة من العلماء مثل الشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ مصطفى الزرقا، والشيخ أحمد محمد شاكر الإمام المحدّث، وله كتاب اسمه "أوائل الشهور القمرية" نصر فيه هذا القول نصرًا عزيزًا قويًا، وكذلك بعض طلبة العلم اختاروا هذا القول وصنّفوا فيه. وحجتهم في ذلك:أولاً قوله صلى الله عليه وسلم: (فَاقْدِرُوا لَهُ) قالوا: يؤخذ منه أن المقصود التقدير وليس إكمال الثلاثين ولا التضييق على الشهر، وإنما فسروه على أن المقصود هو حساب القمر ومنازل القمر".
ثانيًا: قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم علل في حديث ابن عمر رضي الله عنهما بقوله: "إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ" فعلل الموضوع بعدم المعرفة وعدم الحساب "لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ" فإذا وجد الحساب وعُرف وعُلم فقد زالت العلة التي رُبط بها الحكم، وبناءً عليه إذا وُجدت المعرفة الصحيحة الحقيقية جاز الأخذ بها، وليس الحديث داعيًا إلى عدم المعرفة بالحساب، بدليل أن قوله (: "لاَ نَكْتُبُ" ليس دعوة إلى عدم الكتابة، وإنما الأمر بالكتابة كتابة السنة وكتابة القرآن مطلوب شرعًا بالاتفاق، فقوله: (لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ) ليس حتمًا لازمًا وإنما ما داموا لا يكتبون ولا يحسبون فالأمر بالنسبة لهم هكذا، أما إذا أصبحت هناك معرفة بالحساب فيجوز عندهم الأخذ بها.
ثالثًا: قالوا: إن هذه الأمور كلها هي وسائل وليست غايات، الغاية هي معرفة دخول الشهر والاطمئنان إلى أن الناس لم يصوموا يومًا من شعبان، ولم يُفوتوا يومًا من رمضان هذه هي الغاية، أما الوسيلة فقد تكون الرؤية وقد تكون إكمال شعبان ثلاثين يومًا وقد تكون بالوسائل العلمية الدقيقة إذا تأكد الناس منها.
رابعًا: قالوا: إن الحساب يُعتمد في عبادة أعظم من الصوم وهي الصلاة، مع أن الصلاة رُبطت بأوقات في الشمس مثلاً بعد الزوال، قبل الزوال، اصفرار الشمس، إلى غير ذلك أن يكون ظل الشيء مثله أو مثليه، وهذه الأشياء أصبح الناس يعتمدون فيها على حسابات معينة معروفة كما ذكر.
خامسًا: قالوا: إن رفض الأئمة المتقدمين للحساب لأن ذلك العلم كان علمًا يعتمد على التخمين وعلى الحدس وليس على الضبط والدقة كما هو في علم الفلك المعاصر، بل قال بعضهم: إن كثيرًا من المتقدمين كانوا يخلطون بين علم الفلك الحقيقي وبين التنجيم الذي هو نوع من الشعوذة والكلام عن تأثير الكواكب والأفلاك في الكون، وبعضهم ساق حديث: "من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد.
وعما يجب الأخذ به الرؤية أو الحساب الفلكي فصل العودة بقوله " المقصود هو محاولة الوصول إلى ما يحبه الله ويرضاه وما هو أليق بالنص الشرعي وأحفظ له وأنفع للمسلمين في دينهم ودنياهم، فعندي مجموعة من الملاحظات لأنني قرأت بحوث العلماء المتقدمين، بحث ابن تيمية -رحمه الله- في الفتاوى مطولاً، بحث الشيخ بكر أبو زيد أيضًا في هذا الباب، بحث عدد من العلماء هنا في المملكة، بحث العلماء الذين يُجيزون مثل الشيخ مصطفى الزرقا، الدكتور عبد الوهاب الجسيمان، الشيخ يوسف القرضاوي، أحمد شاكر، بحوث الفلكيين أيضًا، والفلكيون أنفسهم منقسمون منهم من يؤيد هذا ومنهم من يؤيد هذا وأما التفصيل في هذا الشأن فأقول:
أولا: هذه مسألة اجتهادية ما دام الأمر فيها لا يتعلق بموضوع التنجيم أو التخمين وإنما يتعلق بالكلام عن علم له أصوله وضوابطه، فهي مسألة اجتهادية لا ينبغي أن يتحول الأمر فيها إلى معاندة أو تباعد أو تباغض أو سوء ظن، أو أن نحولها إلى أداة للتصنيف والاصطفاف والتفرقة.
ثانيًا: جمهور السلف على اعتماد الرؤية، وهذا الذي تجده في غالب الكتب والمصنفات في الحديث والتفسير والفقه وغيرها.
ثالثًا: مما لا يُنكر أن العلوم العصرية في القرن الأخير طرأ عليها تغير هائل وفتوح مذهلة وكشوف لم يكن الناس يحلمون بها ولا يدركونها، ولعل الكثير منّا نحن طلبة العلم الشرعي لم يستطيعوا أن يستوعبوا هذه المتغيرات ولا أن يدركوها ولا أن يعرفوا كيف يوظّفونها فمثلاً علم الفلك من العلوم التي تطورت، القمر نفسه صعد الناس إليه وركبوا على ظهره، والصور رآها الأطفال والكبار والصغار، وكذلك ما أطلقه العلماء من الأقمار في الفضاء والتي تجول في الفضاء وتضربه شرقًا وغربًا ويمكن أي قمر إذا تأخر من مداره أو أصبح فيه خلل يستدنى ويُستدعى على سبيل العجل ويتم إصلاحه وتغييره وأصبح العلماء يرصدون بالمناظير والمراصد حركة الأفلاك بجزء من مئة ألف جزء من الثانية، فهناك تقدم مذهل وهائل في هذا العلم ينبغي علينا أن نوظّف هذا التقدم توظيفًا إيجابيًا صحيحًا.
سلمان العودة
الرياض: عضوان الأحمري
مازال الجدل قائماً حول اعتماد دخول شهر رمضان المبارك بالاعتماد على الحسابات الفلكية أو عبر رؤية الهلال بالعين وشهادة الشهود، وطالب اثنان من المختصين في الشأن الفلكي بالأخذ بالرأي العلمي، فيما يرى المشرف على مؤسسة الإسلام اليوم الشيخ سلمان العودة أن "الرؤية أولى مع أن العلم قد تطور وقد يجهل كثير من طلبة العلم الشرعي تطور بعض العلوم ومنها علم الفلك إلا أن الخلاف بين العلماء على مدى التاريخ كان في مسائل عدة منها مسألة رؤية هلال رمضان". ويرى حسب أقوال العلماء التي سردها أن "المسلمين يعتمدون الحسابات في عبادة أعظم من الصوم وهي الصلاة".
ويشير العودة إلى أن "التخوف يكون من الشهود غير العدول الذين يقولون بالرؤية وقد يكونون رأوا جرماً وظنوه هلالاً".
ويرى رئيس قسم الفيزياء بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور علي الشكري أن يوم الاثنين المقبل هو أول أيام شهر رمضان مستندا في ذلك إلى الحسابات الفلكية والرؤية الأفقية للهلال وبالاعتماد على قواعد الولادة ويقول "إن هذه الحسابات دقيقة وليست ضرباً من الخيال، وجميع الحسابات والأوقات حسب أفق مكة المكرمة ( خط العرض: 21.45 درجة شمال خط الاستواء، خط الطول: 39.82 درجة شرق خط غرينتش) والتوقيت المحلي للمملكة العربية السعودية (توقيت جرينتش + 3ساعات) سيحدث بإذن الله الاقتران المركزي (مرحلة ما قبل ولادة الهلال) الساعة 10:59 من مساء يوم السبت 29 من شهر شعبان 1429 هـ حسب تقويم أم القرى الموافق لـ 30 من أغسطس (آب) 2008 م. ويجب التنويه هنا إلى أن ولادة هلال الشهر (أول انعكاس لبصيص من النور من على سطح القمر) فسيكون بعد الاقتران بفترة قد لا تتجاوز نصف اليوم أو ربما تمتد إلى يوم كامل أو أكثر اعتماداً على وضع القمر بالنسبة للشمس ومدة مكثه وإضاءته وطبعاً الأحوال الجوية بعد غروب الشمس وحالة المتحري النفسية والجسمية والصحية ومدى خبرته وقدرة بصره وسرعته على التأقلم مع الإضاءة الخافتة ومع قدرته على تمييز الهلال عند صغر درجة التباين بين لونه ولون الأفق"
الشكري قام بشرح ولادة القمر بالدقة العلمية والحسابات بحسب جدول زود "الوطن" به قائلا - بعد أن قام بتحديد ولادة القمر بدقة- "كما نلاحظ من الجدول المرفق فإن ولادة القمر (الاقتران) وليس ظهور الهلال ستكون يوم السبت حوالي الساعة الحادية عشرة مساءاَ وسيغرب القمر ذلك اليوم قبل غروب الشمس بحوالي سبع عشرة دقيقة، لذا وحسب الحسابات الفلكية والرؤية البصرية من الاستحالة رؤية الهلال بعد مغيب الشمس لعدم وجوده فوق الأفق، عليه فلن يكون اليوم التالي (الأحد) فلكياً غرة شهر رمضان بل تكملة شعبان. أما هلال مساء يوم الأحد فبالإمكان رؤيته ولكن بصعوبة جداً وباستخدام المناظير الفلكية فقط من غرب وجنوب غرب المملكة. وحسب خط طول وعرض مكة المكرمة، سيكون مرتفعاً بحوالي أربع درجات فوق الأفق والمسافة (الاستطالة) الزاويّة بين القمر والشمس حوالي عشر درجات وحوالي تسع درجات على يسار (جنوب) الشمس (اتجاه الغرب) وعمره تقريباَ عشرون ساعة ( 19:40) وإضاءته حوالي 0.86 % من قرص القمر الكامل )البدر( لحظة غروب الشمس ومدة مكثه حوالي عشرين دقيقة فوق الأفق ويكون الهلال مائلاً قليلاً لليسار كما هو مبين في الشكل. لذا فمن الناحية العملية والحسابات الفلكية والتوقعات النظرية والرؤية البصرية فإن رؤية الهلال مساء ذلك اليوم (الأحد) من المحتمل أن تكون ممكنة ولكن بصعوبة بالغة وباستخدام الأجهزة البصرية المساعدة، لذا من المتوقع بإذن الله أن يكون يوم الاثنين الموافق 1 سبتمبر (أيلول) 2008 م غرة شهر رمضان المبارك 1429 هـ ".
ودعا الشكري لمن يريد التأكد من وجود الهلال فيمكنه لحظة غروب الشمس يوم الأحد ويكون على يسارها تسع درجات وأضاف"ولمن يرغب في تحري الهلال، سيكون الهلال لحظة غروب الشمس يوم الأحد على يسارها بحوالي تسع درجات وارتفاعه حوالي أربع درجات ومائلاً قليلاً لليسار كما هو مبين في الشكل، وأن يكون التحري في منطقة ذات جو صاف أي خال من الغيوم والغبار والرطوبة".
وأشار الشكري إلى أن هذه التوقعات مبنية على الحسابات وتؤخذ لغرض الاستدلال على دخول الأشهر القمرية ولكن إعلان دخول الشهر وتأكيده يكون بالرؤية الشرعية.
الشيخ سلمان العودة يرى أن حسم موضوع رؤية الهلال بالعين المجردة أو الاعتماد على الحسابات الفلكية من الأمور المعقدة والتي فيها أقوال متعددة لمجموعة من العلماء وأضاف "والخلاف في هذه المسألة:
أولاً: الجمهور والمشهور عند الأئمة الأربعة يرون أنه لا يؤخذ إلا بالرؤية أو بالإكمال إكمال الشهر ثلاثين أو تسعة وعشرين على حسب الخلاف بين الحنابلة وبين الجمهور.
استدلوا أولا: بالأحاديث: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ. فقالوا: إن النبي ( علّق الحكم بالرؤية" واستدلوا بالآية الكريمة وهي قوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ) [البقرة:185]، وكأن (شَهِدَ) هنا معناها شاهد أو رأى من الشهود من المشاهدة وإن كان هذا الاستدلال فيه ما فيه لأن المتبادر من لفظ (فَمَنْ شَهِدَ) يعني: حضر أو أدرك الشهر، حتى لو لم يشهده بنفسه وإنما شهده غيره أو شاهده غيره ؛ لأن مقابل (فَمَنْ شَهِدَ) (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ) ومما يُستدل به أيضًا لمذهب الجمهور في اعتبار الرؤية وعدم اعتبار الحساب أو علم التسيير: حديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا" يعني مرة تسعة وعشرون ومرة ثلاثون.
أما جواز الأخذ بالحسابات الفلكية فيقول العودة إنه الرأي الثاني أو القول الثاني من أقوال العلماء ويرون بجوازه وذلك لعدة أسباب هي " القول منسوب إلى مطرّف بن عبد الله من كبار أئمة التابعين، وهو أيضًا قول ابن قتيبة، وهو قول أبي العباس بن سريج- وهو من كبار أئمة الشافعية حتى إنهم يقدمونه على المزني في سعة معرفته بالمذهب- وله في ذلك تصنيف وكلام نسب فيه هذا القول إلى الإمام الشافعي ونقل في ذلك نصًا وإن كان المخالفون له وهّموه في ذلك بنصوص أخرى للشافعي. وقال الرأي مجموعة من العلماء مثل الشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ مصطفى الزرقا، والشيخ أحمد محمد شاكر الإمام المحدّث، وله كتاب اسمه "أوائل الشهور القمرية" نصر فيه هذا القول نصرًا عزيزًا قويًا، وكذلك بعض طلبة العلم اختاروا هذا القول وصنّفوا فيه. وحجتهم في ذلك:أولاً قوله صلى الله عليه وسلم: (فَاقْدِرُوا لَهُ) قالوا: يؤخذ منه أن المقصود التقدير وليس إكمال الثلاثين ولا التضييق على الشهر، وإنما فسروه على أن المقصود هو حساب القمر ومنازل القمر".
ثانيًا: قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم علل في حديث ابن عمر رضي الله عنهما بقوله: "إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ" فعلل الموضوع بعدم المعرفة وعدم الحساب "لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ" فإذا وجد الحساب وعُرف وعُلم فقد زالت العلة التي رُبط بها الحكم، وبناءً عليه إذا وُجدت المعرفة الصحيحة الحقيقية جاز الأخذ بها، وليس الحديث داعيًا إلى عدم المعرفة بالحساب، بدليل أن قوله (: "لاَ نَكْتُبُ" ليس دعوة إلى عدم الكتابة، وإنما الأمر بالكتابة كتابة السنة وكتابة القرآن مطلوب شرعًا بالاتفاق، فقوله: (لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ) ليس حتمًا لازمًا وإنما ما داموا لا يكتبون ولا يحسبون فالأمر بالنسبة لهم هكذا، أما إذا أصبحت هناك معرفة بالحساب فيجوز عندهم الأخذ بها.
ثالثًا: قالوا: إن هذه الأمور كلها هي وسائل وليست غايات، الغاية هي معرفة دخول الشهر والاطمئنان إلى أن الناس لم يصوموا يومًا من شعبان، ولم يُفوتوا يومًا من رمضان هذه هي الغاية، أما الوسيلة فقد تكون الرؤية وقد تكون إكمال شعبان ثلاثين يومًا وقد تكون بالوسائل العلمية الدقيقة إذا تأكد الناس منها.
رابعًا: قالوا: إن الحساب يُعتمد في عبادة أعظم من الصوم وهي الصلاة، مع أن الصلاة رُبطت بأوقات في الشمس مثلاً بعد الزوال، قبل الزوال، اصفرار الشمس، إلى غير ذلك أن يكون ظل الشيء مثله أو مثليه، وهذه الأشياء أصبح الناس يعتمدون فيها على حسابات معينة معروفة كما ذكر.
خامسًا: قالوا: إن رفض الأئمة المتقدمين للحساب لأن ذلك العلم كان علمًا يعتمد على التخمين وعلى الحدس وليس على الضبط والدقة كما هو في علم الفلك المعاصر، بل قال بعضهم: إن كثيرًا من المتقدمين كانوا يخلطون بين علم الفلك الحقيقي وبين التنجيم الذي هو نوع من الشعوذة والكلام عن تأثير الكواكب والأفلاك في الكون، وبعضهم ساق حديث: "من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد.
وعما يجب الأخذ به الرؤية أو الحساب الفلكي فصل العودة بقوله " المقصود هو محاولة الوصول إلى ما يحبه الله ويرضاه وما هو أليق بالنص الشرعي وأحفظ له وأنفع للمسلمين في دينهم ودنياهم، فعندي مجموعة من الملاحظات لأنني قرأت بحوث العلماء المتقدمين، بحث ابن تيمية -رحمه الله- في الفتاوى مطولاً، بحث الشيخ بكر أبو زيد أيضًا في هذا الباب، بحث عدد من العلماء هنا في المملكة، بحث العلماء الذين يُجيزون مثل الشيخ مصطفى الزرقا، الدكتور عبد الوهاب الجسيمان، الشيخ يوسف القرضاوي، أحمد شاكر، بحوث الفلكيين أيضًا، والفلكيون أنفسهم منقسمون منهم من يؤيد هذا ومنهم من يؤيد هذا وأما التفصيل في هذا الشأن فأقول:
أولا: هذه مسألة اجتهادية ما دام الأمر فيها لا يتعلق بموضوع التنجيم أو التخمين وإنما يتعلق بالكلام عن علم له أصوله وضوابطه، فهي مسألة اجتهادية لا ينبغي أن يتحول الأمر فيها إلى معاندة أو تباعد أو تباغض أو سوء ظن، أو أن نحولها إلى أداة للتصنيف والاصطفاف والتفرقة.
ثانيًا: جمهور السلف على اعتماد الرؤية، وهذا الذي تجده في غالب الكتب والمصنفات في الحديث والتفسير والفقه وغيرها.
ثالثًا: مما لا يُنكر أن العلوم العصرية في القرن الأخير طرأ عليها تغير هائل وفتوح مذهلة وكشوف لم يكن الناس يحلمون بها ولا يدركونها، ولعل الكثير منّا نحن طلبة العلم الشرعي لم يستطيعوا أن يستوعبوا هذه المتغيرات ولا أن يدركوها ولا أن يعرفوا كيف يوظّفونها فمثلاً علم الفلك من العلوم التي تطورت، القمر نفسه صعد الناس إليه وركبوا على ظهره، والصور رآها الأطفال والكبار والصغار، وكذلك ما أطلقه العلماء من الأقمار في الفضاء والتي تجول في الفضاء وتضربه شرقًا وغربًا ويمكن أي قمر إذا تأخر من مداره أو أصبح فيه خلل يستدنى ويُستدعى على سبيل العجل ويتم إصلاحه وتغييره وأصبح العلماء يرصدون بالمناظير والمراصد حركة الأفلاك بجزء من مئة ألف جزء من الثانية، فهناك تقدم مذهل وهائل في هذا العلم ينبغي علينا أن نوظّف هذا التقدم توظيفًا إيجابيًا صحيحًا.
التعليق