المقامة الرمضانيّة 2
أ. جبران بن سلمان سحّاري
مؤسس مدرسة الميزان للنقد الأدبي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
أ. جبران بن سلمان سحّاري
مؤسس مدرسة الميزان للنقد الأدبي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
حدثنا عمرو بن هشام الحميري قال: بينا أنا أجول في البلدان، وردتُ (آمد طبرستان) فلما أظلتني المدينة، نادتِ النفسُ الحزينة: أن أقبل إلى المجامع الوعظيّة، والتحف المرضيّة، فلما مثلتُ بين القوم، ونفضتُ من عينيّ أثرَ النوم، إذ أقبل رجلٌ قد أنهكته الغربة، فشرع في الخطبة، قائلاً: أيها الناس اسمعوا وعوا، وإلى العبادةِ فافزعوا، فقد أطلّ علينا موسمٌ عظيم، وزائرٌ كريم، إنه شهرُ رمضان، الذي أنزل فيه القرآن، شهرُ الرحمةِ والغفران، فقال أحد الحاضرين: الحمد لله رب العالمين، أقبل شهرُ (الحلبة)، و(المكرونةِ) و(الشربة)، وما أسعدَ البطنَ الفاضي، حينما يستقبلُ (لقمة القاضي)، وإلى الآن لم أحدثك عن العدسِ والفول، واللحومِ والبقول، واللبن (الطازج)، ناهيك عما هو للحليبِ ممازج، فقام رجلٌ وقال: اتق الله ولا تقاطع الخطيب، بهذا الهذر الغريب، هذا شهرُ القرآن والصلاة، والصدقةِ والمناجاة، ليس شهرَ الأكلاتِ الشهيّة، والمطاعم النجديّة، أما سمعتَ قول الشاعر المبدع؟ فقال: ماذا يقول يا (مطوّع)؟ فقال:
شهرُ الصيامِ أتى والخيرُ يصحبُه *** ففيهِ ذكرٌ وتسبيحٌ وقرآنُ
فقال: أما إني قد عارضته بقصيدةٍ أخرى أقول فيها:
شهرُ الصيامِ أتى والخيرُ يصحبُــــهُ *** ففيهِ حـلــوى وألـبـــــانٌ وأجـبـــانُ
بالأمسِ قمتُ على (المرقوقِ) أندبهُ *** واليومَ دمعي على (القرصانِ) هتّانُ
هذا (الجريشُ) طعامٌ لا مثـيـــــلَ لهُ *** عليه من مستهلِّ (السمنِ) غــــدرانُ
فاضرب بخمسِك لا تأكلْ بملعـقــــةٍ *** إن الملاعـــقَ للنعـمـــــاءِ كـــفـــرانُ
هذا الطعام عن الأوصافِ يعجزني *** فــفــيــــه والله أشـكـــــــــالٌ وألوانُ
شهرُ الصيامِ أتى والخيرُ يصحبُــــهُ *** ففيهِ حـلــوى وألـبـــــانٌ وأجـبـــانُ
بالأمسِ قمتُ على (المرقوقِ) أندبهُ *** واليومَ دمعي على (القرصانِ) هتّانُ
هذا (الجريشُ) طعامٌ لا مثـيـــــلَ لهُ *** عليه من مستهلِّ (السمنِ) غــــدرانُ
فاضرب بخمسِك لا تأكلْ بملعـقــــةٍ *** إن الملاعـــقَ للنعـمـــــاءِ كـــفـــرانُ
هذا الطعام عن الأوصافِ يعجزني *** فــفــيــــه والله أشـكـــــــــالٌ وألوانُ
قال عمرو بنُ هشام: فصاح الخطيبُ قائلاً: اسمعوا الكلام، وسوف نتحدثُ عن الطعام، وسرى الجوعُ إليه بلا أقدام، فما من سامعٍ ولا مجيب، فاحتار الخطيب، قلتُ: يا ابنَ هشام فما حال المؤذن والإمام؟ فقال: استحليا الحطام، وخلعا لباسَ العالم الهمام، والسببُ: الشيخُ يحيى بن سلام، قلتُ: كيف؟ ويا للحيف؟ قال: كان إذا حان وقتُ الإفطار، أخذ من كلِّ صنفٍ الفقار، حتى إذا ثقلَ عن القيام، وتشبه بالأقزام، انصرفَ إلى (المشاهد) الفضائيّة، و(المسلسلات) الرمضانيّة، يترقبُ أخبارَ (الفوازير)، وماذا فعل بعد ذلك (الزير)؟ وكيف حكايات (ألفِ ليلة وليلة)؟ وربما قضى فيها ليله، وإن أقيمتِ الصلاة، قام يمشي في أناة، ويقضي نصفَ الوقتِ في (دوراتِ المياة)، ثم ينصرف إلى المسجدِ وقد ولى عنه الخشوع، إنما كان يصحبه مع الجوع، كيف يكون هذا قدوة للمصلّين؟ وكيف يذكرُ حال الفقراء المساكين؟ قلتُ: يا ابن هشام، هذه القدوة التي أضاعت بني الإسلام، والسلام .
التعليق