[الإخوان المسلمون : الوجه المُعْلَن والوجه الخفي]
(الحلقة الأولى)
توطئة :
جماعة الإخوان المسلمين هي حركة نشأت في مصر على يد حسن بن أحمد بن عبد الرحمن البنا الساعاتي عام 1928م ، تضم خليط من التيارات والمذاهب وحتى الأديان المختلفة ؛ ظاهرها الدعوة الإسلامية ، وباطنها من قِبَلِهَا الدعوة إلى السياسات البشرية ، والثورة والإطاحة بالحكومات القائمة ، والجلوس على كراسي الحكم بغرض إعادة الخلافة الإسلامية بزعمهم.
(علاقة الجماعة بالمخابرات الأجنبية)
جماعة الإخوان مستعدة للتحالف مع كل من يخدم مصالحها وإيدلوجياتها بغض النظر عن دينه ومذهبه ولو على حساب المسلمين ودمائهم ؛ ولذلك مدَّتْ جسورِ العلاقة الحميمة مع المخابرات الأجنبية من قديم للإطاحة ببلدانها التي تعيش فيها وزعزعة الأمن وتقويضه من خلال الثورات والمظاهرات والانقلابات والاغتيالات كل ذلك لتصل إلى الحكم الذي هو غاية الغايات في عقيدتها وأدبياتها ، وأوجب الفروض !!!
لقد لَمَسَ الأمريكانُ والإنكليزُ شهوةَ الإخوانِ المفرطةَ للوصولِ إلى سُدَّةِ الحكمِ، والإمساكِ بأزمَّةِ السلطة في العالم الإسلامي ، و العملِ السِّرِّيِّ والعلني الدَّؤوب لقلب الأنظمةِ الحاكمةِ فيه ، سواءٌ كان الحاكم برًّا، صوَّامًا ؛قوَّامًا ، مطَبِّقًا شريعةَ اللهِ في الأرْضِ ، أو كَانَ فَاجِرًا ؛خَبِيْثًا ؛ عِلمانيًّا ؛ باطِنِـيًّـا ، الكلُّ سواسيةٌ في شريعة الإخوان . لأنَّ الولاءَ والبراءَ عندهم يقومُ على مدى الإِخلاصِ والولاءِ للحزبِ والجماعـةِ لا على الميزانِ الشرعيِّ الإسلامي .
ومن هنا فالجماعـةُ مستعدَّةٌ للتحالفِ مَعَ من يكون ، ومَنْ تَدُوْرُ معه مصالحُها بغضِّ النظر عن انتماءاته وعقيدته كا أسلفت ، وبغضِّ الطَّرف كذلك عن مدى الجوازِ الذي يَسْمَحُ به الشَّرْعُ الحنيفُ في الاتصال والعلاقة مع هؤلاء .
وليستْ هذه العلاقة مع الولايات المتحدة أو بريطانيا وَلِيْدَةَ اليوم ، بل هي من أيام الرئيس المصري جمال عبد الناصر ، حيث ذكر المحلِّلُ السِّيَاسِيُّ الأمريكيُّ "روبرتْ دريفوس" في كتابه الخطير (لعبة الشيطان) : "أنَّ جِهَازَي المخابرات الأمريكي والإنجليزي قد اعتمدا بصورة أساسية على جماعة الإخوان المسلمين واستخدامها
كمخلب قِطٍّ في الإطاحة بعبد الناصر...".
ــ "...فمنذ عام 1953م كان أنتوني إيدن رئيس وزراء بريطانيا يكره ناصر بشدَّةٍ مع ازديادِ لمعانِ وتكشُّفِ دَوْرِهِ وراءَ الانقلابِ على فاروق في 1952م ولذلك قرر التَّخطيطَ لانقلابٍ ضِدَّهُ .
كانت القوة الجاهزة لكي يستخدمها الإنجليز في ذلك بعد يأسهم من الجيش هي جماعة الإخوان المسلمين ...".
ــ ويضيف المؤلف:"...أن سعيد رمضان أحد قيادات الإخوان وقريب حسن البنا قال للسفير الأمريكي جيفري كافري في ذلك الوقت إنه اجتمع مع الهضيبي ، وأن الأخير عبَّر عن سروره البالغ من فكرة الإطاحة بعبد الناصر والضباط الأحرار . بل إن تريفور إيفانز المستشار الشرقي للسفارة البريطانية عقد على الأقل اجتماعًا مع حسن الهضيبي لتنسيق التعاون مع نجيب للانقلاب على ناصر ، وهو ما كشفه عبد الناصر فيما بعد وقرر مواجهة الحركة الأصولية" .
ــ :"... كانت المخابرات الأمريكية والبريطانية تسجل جميع تحركات الإخوان ، وعلى علم واتصال بقياداتهم . وكما يقول روبرت باير مدير العمليات الخارجية السابق في وكالة المخابرات الأمريكية : قررتْ الوكالة الانضمام للمخابرات البريطانية في اللجوء لفكرة استخدام الإخوان المسلمين في مواجهة عبد الناصر".
ــ :"... كان البيت الأبيض على علم أولاً بأول بما يجري ، واعتبر الإخوان حليفًا صامتًا وسلاحًا سريًّا يمكن استخدامــــه ضد الشيـوعيـة ، وتـقـرر أن تلعب أمريكـــا دورًا في تمويل الإخوان المسلمين للتحرك في الانقلاب ضد عبد الناصر . كان البيت الأبيض بغباء شديد يعتقد أن عبد الناصر شيوعي ، وقرر البيت الأبيض أن يكون هناك تحرك ضد عبد الناصر ، وأن تكون جماعة الإخوان هي رأس الحربة في ذلك ، ولكن بشرط ألا يكون هذا التحرك بأمر مكتوب منه ، وألا يتم تقديم أي تمويل أمريكي من الخزانة الأمريكية . أي بصراحة مجرد موافقة بهز الرأس ودون أن تكون مسجلة بأي صورة".
ــ :"... وهكذا قامت أجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية بإعداد فرق الاغتيالات في الإخوان بالتعاون مع منظمة فدائي الإسلام الإيرانية التي لعبت الدور الرئيسي في إسقاط محمد مصدق رئيس وزراء إيران.
وقد قام وفد من جماعة فدائي الإسلام بزيارة القاهرة فعلا في 1954م لتنسيق التعاون مع الإخوان ، وكان هذا الوفد بقيادة زعيمهم ناواب سفافاي وزاروا القاهرة في يناير 1954م وهو التاريخ الذي بدأ فيه التوتر يدب بين ناصر والإخوان .
لم يكن عبد الناصر يتصور أن الإخوان سيصل بهم الحال للتنسيق لاغتياله وأن يكونوا مخلب قِطٍّ لأجهزة مخابرات عالمية ، ولذلك لم يلتفت إليهم وكان مشغولاً بصراعه ضد نجيب طوال شهر فبراير ومارس1954 ولكن في إبريل قدَّم عبد الناصر أول مجموعة من قيادات الإخوان للمحاكمة ، وتصاعدت المواجهة معهم ، ووصل الحال في شهر سبتمبر 1954م بمنع سعيد رمضان وخمسة من زملائه من السفر لسوريا لتعبئة أفرعهم في السودان وسوريا والعراق والأردن ضد عبد الناصر.
ثم جاء يوم 26 أكتوبر ليشهد محاولة اغتيال عبد الناصر من قبل أحد أعضاء الإخوان ولم يكن التدبير بعيدًا عن أيدي المخابرات البريطانية وعن علم المخابرات الأمريكية ، فقد كانت هناك لقاءات متوالية لهم مع الإخوان ، وكانت التعليمات من إيدن ومن البيت الأبيض وأيزنهاور ، وأن يتم الأمر دون أن يكون هناك أي أثر على تورط بريطاني أمريكي في تلك العملية التي استهدفت رأس عبد الناصر حسبما طلب إيدن شخصيًّا"اهـ. راجع [ كتاب "مايلز كوبلاند – القصة الدامية لاختراق أنظمة الحكم العربية وكتابه لعبة الأمم" (ص/26-27-29-30-31) [تقديم : مجدي كامل – دار الكتاب العربي – دمش – القاهرة- 2008].
قلت : وأمَّا وَقْتُنَا المعاشُ الآن فقد شَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا على مُبَارَكَةِ الولايات المتحدة لخطواتِ الجماعـةِ الحثيثةِ للوصولِ إلى الحكمِ في مصرَ قَبْلَ ما يُسَمَّى بالثورة المصرية وبَعْدَهَا ، والاتصالاتِ المتبادلةِ بين قيادات الجماعـة والمسؤولين في الإدارة الأمريكية .
ذلك الشَّاهِدُ الذين عَاشَ عُمُرَهُ في أَقْبِيَةِ الإخوانِ وسرادِيبِهِم المظلمةِ التي يُزْعِجُهَا النُّورُ، وَتَزَّاوَرُ عنها شمسُ الحقِّ والتَّصْحِيحِ والنَّقْدِ الهادفِ ، فَتَاقَتْ رُوْحُهُ إلى الخروج منها إلى الهواءالطَّلْق بعيداً بعيداً عن أغلالِ التَّنْظيْمِ وأَرْسَافِهِ المُأْصَدَةِ لكُلِّ مُوَجِّهٍ أَوْ مُجَدِدٍ سوَّلَتْ له نفسُهُ الإصلاحَ وقولَ الحقيقةِ داخلَ الجماعة أو خارِجَها .
ذلك الشاهدُ هو القياديُّ السابقُ في جماعةِ الإِخوانِ/ثروتْ الخِرْبَاوِي والذي انشقَّ عن الجماعـة في العام 2002م ، وألف كِتَابَيْهِ (قلب الإخوان) و(سِر المَعْبَد) ؛ فقد شَهِدَ باتِّصال القيادات الإخوانية بالإدارة الأمريكية حيث يذكر أنه ذهب هو ومجموعة من الإخوان لزيارة الحقوقي الدكتور/سعد الدين إبراهيم [عميل كبير للإدارة الأمريكية] ، وتهنئته بسلامة خروجه من السجن ، ويُضِيْفُ :"...اسْتَقْبَلَنَا الرَّجلُ خَيْرَ استقبالٍ وتصادف أنْ كان عنده وقتها بعضُ الزُّملاءِ المحامين المنشغلين بحقوق الإنسان أذكر منهم الأساتذة/أحمد عبد الحفيظ ونجاد البرعي وفاطمة ربيع ، وحين انفردنا بالدِّكتـور هنَّأناه بسلامة الخروج من السجن ، وتذكَّروا معًا ما كان يدور بينهم من حواراتٍ أهمُّها ما يتعلق برغبة الإخوان في التقارب من الغرب ، ومن الحوار عرفتُ أنَّ الدكتور/عصام العريان الإخواني الشهير حين كان في السجن فَتَحَ هــو الآخر حـوارًا مع الدكتور سعد بهدف التقارب مع أمريكا على وجه الخصوص وأَنَّ الدكتور سعدًا وعده بأن يبذل جهده في هذا الأمر.
...ومن ناحيةٍ أخرى رأيتُ – خاصةً مع تطور الأحداث في المنطقة – أَنَّ الإخوان كتنظيمٍ له أهدافه ، وفكرته ، سيسعون إلى استخدام هذه المنافذ لا ليبحثوا عن حرِّيتهم ، ولكن ليصلوا إلى حكم البلاد ، فيكون التنظيم الحديدي الذي يطوي في داخله أسرارًا لا يعلم عنها أحدٌ شيئًا قد وصل إلى الحكم لا بالاستقواء بالشَّعْبِ ولكن بالاستقواء بأمريكـا ، ولأنَّني كنتُ أبحث عن أسرار الإخوان المدفونة في كهفٍ سِريٍّ فقد رأيتُ الحوار من الممكن أَنْ يبدأه من حَسُنَتْ نياتُهم ثم يستكمله أصحابُ الأسرار الخفيَّة.
يتبع ++
التعليق